من أهم ما ستركز هذه الورقة -بمشيئة الله- هو الدرس التأصيلي لمنجزات التلقي والتأويل في التراث الإسلامي من المنظور النقدي، فعند البحث في المقاربات التفسيرية عند قراءة المتصوفة للنص القرآني فإننا نعثر على قدر كبير من الخصوصية والتميز على صعيد الفهم والتماهي مع النص بما يشي بالمرجعية المعرفية التي يصدر عنها القارئ أو المفسر وبما يعكس حقيقة المنهج العرفاني الصوفي وكيفية تعامله مع الخطاب الإلهي باعتبار أن التفسير الإشاري هو تفسير للقرآن بغير ظاهرة لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف.
فالقرآن يشكل مجالا فسيحا للتفاعل؛ وبذا فهو يمكَّن أهل الفهم من أن يستخرجوا ما أمكنهم استخراجه من معان. ومما نروم الإجابة عنه هو كيف تتحول الإشارات عند المتصوفة إلى نوع من الإضافة على النص القرآني وكأن معاني القرآن تحيل إلى معان ودلالات أخرى وهو ما جعل كل متصوف يستنبط معنى من آية يختلف عن المعنى الذي يستنبطه الآخر؛ فكل حال تقابله معرفة، واختلاف أحوال التلقي هي التي تنتج معاني مختلفة وعبارات مناسبة لهذه الأحوال، وهذا ما سار عليه المتصوفة في تفاعلهم مع القرآن.
ومما هو جدير باهتمام هذه الورقة هو ملاحظة الفرق الكبير عند تقييم المقاربات الإشارية بين التفسير الإشاري وتفسير الباطنية كما أن المنحى التأصيلي لهذه الدراسة يستدعي الوقوف عند مقولات نظرية التلقي الحديثة للكشف عن مدى انطباق ما خلص إليه منظرو التلقي في ستينيات القرن الماضي على ما قام به أهل التفسير الإشاري من جهود قرائية تلتقي في جوانب كثيرة منها مع ما جاء به أيزر وياوس وغيرهما. والله الموفق.