هل تجاوزت رؤيا ابن درّاج الأنظمة التعبيرية المألوفة؟ هل عبّر الشاعر الأندلسي (ابن دراج) عن عالمه الوجداني العميق المكثف وما يشعر به داخل نفسه من عواطف وخلجات، كما عبّر عن واقعه الذي يعيشه؟ هل كانت لغته الشعرية أقل مستوى من غيره، أم فاق معاصريه وسبقهم وبرز عليهم؟ وهل الخصائص الفنية لشعره تكمن في اللغة والأسلوب، أو الموسيقى، والوزن، أو الصورة الشعرية، أو في غيرها؟
هذا البحث يسعى للإجابة على هذه الأسئلة وإضاءة بعض الجوانب المميزة في شعره؛ وذلك لأن الشعر الأصيل هو نتاج الشاعر الأصيل الذي يستمد أصالته من موهبته ومن أحاسيسه المرهفة بالإضافة إلى ثقافته العميقة الناتجة عن العلاقات الإنسانية العاطفية. كما تناول النقاد المحدثون والقدماء على حد سواء، بالدراسة والتحليل أدب وشعر ابن درّاج؛ ومن أبرز القضايا التي أثاروها قضية الأسلوب الذي تفرد به، والجمع والإدماج بين الخطب والرسائل بأسلوب إنشائي بديع، حيث فاق معاصـريه واستطاع الاستفادة من التّراق الشعري الذي سبق عصره، فقد ذكر ابن حزم أنه: "أحدث ابن دراج عندنا نوعاً من الخطب والرسائل"( )، فقد تفرد بهذا النوع من الرسائل وخالف به سائر شعراء عصره، كما صنفه من فحول الشعراء، وكاد يملكه مكانة أبو تمام والمتنبي، وهو نقد قائم على التعمق في شخصية الأديب ودراستها والحكم عليها بتمعن وتدقيق. ولابن دراج طريقته الخاصة في النظم؛ إذ كان معروفاً بالتنقيح والتجويد والتؤدة.