التَّقديم والتَّأخير ظاهرة مسموح بها في اللُغة لها ما يضبط حركة ألفاظها ووظائفها داخل
التَّركيب، ذلك أنَّك، سواء قدَّمت أو أخَّرت تظل مرتبطاً بهذا الضابط الَّذي هو الإعراب فالمفعول يقدَّم ويظل مفعولاً لأنَّه منصوب، والفاعل يقدَّم على المفعول ويظل فاعلاً لأنَّه مرفوع، إلَّا أنَّ هذه الحرِّيَّة الَّتي يتيحها الإعراب ليست مطلقة، فالتَّأمل في الأمثلة الآتية:
- أَكَلَ الرجلُ التَّفاحةَ، أَكَلَ التَّفاحةَ الرجلُ، الرجلُ أَكَلَ التَّفاحةَ، الرجلُ التّفاحةَ أَكَلَ، التّفاحةَ أَكَلَ الرجلُ، التّفاحةَ الرجلُ أَكَلَ.
ولكن بعض هذه البُنى غير متوافرة في واقع اللُغة ممَّا يدلُّ على وجودِ ضوابط في الجملة تجد من حرِّيَّة الترتيب عناصرها الأساسيَّة - بالرُّغم من أنْ كلَّ الأسماء السَّابقة تحمل إشارات أو مميَّزات تدلُّ على قيمتِها النَّحويَّة فهي لا تغيُّر موقعها إلَّا بموجبِ قواعد خاصة، قواعد تقديم المفعول على الفاعل، قواعد تقديم المفعول على الفعل والفاعل وعلى هذا الأساس قال العكبري في إعراب قوله تعالى: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُّذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾( )، "إحداهما" للفاعل، و"الأُخرى" للمفعول، ويصح في المعنى العكس إلَّا أنَّه يمتنع في الإعراب على ظاهرة قول النَّحويِين، لأنَّ الفاعل والمفعول إذا لم يظهرْ فيهما علامة الإعراب أوجبوا تقديم الفاعل في كلِّ موضع يخاف فيه اللبس، ويؤمن باللبسِ بالقرائنِ اللفظيَّة كالإعراب الظاهر، نحو: "ضَرَبَ مُوسى عِيسى"( )؛ ومتعلِّقاتُ الفعلِ هي شبه الجملة من "الجارِ والمجرورِ، والظَّرفِ"، وقد سُمِّيت "شبه الجملة"؛ لأنَّها مترددة بين المفرداتِ والجملِ، ونظراً لتعلُّقِها بالفعلِ أكثر من تعلُّقِها بالاسمِ كانت أقرب إلى الجُمل؛ لذا سمِّيت شبه الجملة( )، فهيَ تتعلَّق بالفعلِ لأنَّ في الفعلِ ضميراً يستقر فيه( )؛ إذاً شبه الجملة لا تحقق معنى الكامل بمفردِها؛ فهيَ تحتاج لمَنْ تتعلَّق به حتَّى تتم الفائدة بها، فمثلاً عندما تقول: "إلى المدرسة" فإنْ المعنى لم يتم؛ ولكن إذا قلت: "ذهبَ أحمدُ إلى المدرسة" هنا اكتملت الفائدة بمجرَّدِ تعلُّق الجارِ والمجرورِ بما قبله.