هذه وقفة على ومضات إنسانية نبيلة، خلّدها الزمن لروعتها، فهي تلامس أعماق النفوس الأبية والمحتفظة بطهرها وعفتها، فعلى الرغم من بداوة أهلها وجاهلية أصحابها فإنها تأسر العقول مروءةً وشهامةً وإنصافاً، وهي زفرات أولئك المتميزين في أقوالهم، الذين يستشعرون الأشياء بإحساس مرهف وعقلية متوقدة، ومن هؤلاء المتميزين الحصين بن الحمام، الذي ترنو العقول إلى ما في شعره من رقي إنساني، يستنهض المروءة ويثير النخوة والشمم فهو القائل:
فلسـت بمبتـاع الحياة بسُبَّةٍ ولا مُبْتَغٍ مِنْ رهبة الموتِ سُلَّمَا
ونحن إذ ننشد مثل هذه الومضات، وننقب عنها في ثنايا موروثنا العربي، نسعى إلى إبرازها للمتأملين بأيسر السُبل، وفي أزهى الحلي والحلل، ليتراءى المغزى الأخلاقي الرفيع في مضامينها، وتتراءى تلك الرسالة الاجتماعية السامية النبيلة، التي نحن اليوم في أمسّ الحاجة إليها، ففي هذين البيتين من شعر الحصين يقظة عقلية تشدّ الناظرين، وسموّ يأسر المتأملين، ففي التّحوّل عن الخطأ؛ فضيلة، والتّبيّن؛ حكمة، وفي الندم الجميل؛ طريق للصّفح والغفران، وفي كل هذا قال الحُصين بن الحمام:
نَدَمْتُ عَلَى قَوْلٍ مَضَى كُنتُ قُلتهُ تَبَيَّنْتُ فِيـهِ أّنَّـهُ قَـوْلُ كَـاذِبِ
فَلَيتَ لِسَانِـي كَانَ نِصْفَينِ مِنْهُمَا بَكيمٌ ونصفٌ عِنْدَ مَجْرى الكَوَاكبِ