اختارت هذه الدراسة الاشتغال على نص موطأ قلم (*) للشاعرة هناء المريض(*) لما مثّله من أهمية بمدونة الشاعرة حيث تصدّر كامل المجموعة، وكان أطول نصوصها، وحمل في طياته عنوان الديوان؛ وأردت دراسة العتبة الداخلية كإشارة سيميائية تأسيسيّة دافعة لسبر أغوار النّص وإعادة قراءته من أوجه متعدّدة لمعرفة طاقاته الاختزالية عبر بنيتين أساسيتين هما البنية السطحية التركيبية، متمثّلة في الوجود الفيزيقي المادّي وأول ما يطالع القارئ، وفي بُعده الإشاري كعلامة، والبنية العميقة من خلال نصيّة العنوان التأويلية والدّلاليّة والإنجازية والإنتاجية، وتعامل البحث في هذا مع المنهج السيميائي كإجراء لفهم سيمياء العنوان والاقتراب من قدرته على تفسير نصّه وإرساء دلالاته التأويلية، وخلص البحث إلى بعض النتائج أكدت على أن العنوان في النّص شكّل لحظة تأسيس في وعي القارئ، وكان مفتاح الدخول إلى النص وفتح مغاليقه الدّلالية وفهم تصوراته، كما اتبع استراتيجية الخطاب الموازي بآلية حاذقة لتمكين اشتغاله داخل نصه وتفعيله داخل بنياته؛ وذلك بإبرام عمليات تأويلية جارية مع المتلقي مارس من خلالها ضغطه وحضوره في عقل القارئ كمؤسس نصي فاختزل دلالات النّص الكثيرة والموحية من خلال كلمة موطأ فشكّل مرتكزا دلاليًا منحه سلطة عليا على كامل النّص بأعلى اقتصاد لغوي.
شكّل العنوان والنّص بنية معادلية كبرى حيث استفادا من التراث في اقتياد القارئ إلى آفاق التأويل مُحملينه عبء السؤال والفهم وفتح مجالات البحث والتقصي والاستذكار بكامل مرجعياته المعرفية.
العنوان كعتبة تنّاصية استطاع أن يغني النّص ويخصّب صوره وينتشله من التقريرية المباشرة، وتقديم الدلالات الجاهزة، بل خاتل أذهاننا ومدها بلذة الاكتشاف والتأويل والإسقاط والبحث في أصل النص الغائب والبحث عنه في ثنايا ذاكرتنا وربطه بالمعرفة الجمالية، وازدواج البؤرة في محاولة فتح باب التأويل والقراءة، ولم يكسر أفق توقعنا عندما ولجنا كامل النص ليزيل ذاك الغموض ولو مؤقتا.