التشديد والتخفيف ظاهرتان شائعتان في اللهجات العربية شيوعا بارزا، والتشديد سمة من سمات القبائل البدوية شرق الجزيرة ووسطها، وذلك لما في طبعها من جفاء وغلظة، وأما أهل المـدن فكانوا يميلـون إلى الليونة في كلامهم انسجاما مع بيئتهم.
والقراءات القرآنية ميدان رحب لتلك اللهجات المختلفة، ومعين لا ينضُب للدراسات اللغوية، صوتاً وصرفاً ونحواً ودلالة، وقد نال القرآن الكريم وقراءاته اهتمام العلماء والدارسين ونايتهم قديماً وحديثاً، فقاموا بتوجيهه كل حسب توجهه ومنزعه، فالفقيه اتخذها وسيلة في استنباط الأحكام والترجيح بين الأقوال، وكانت للغوي مجالا للاستشهاد على قاعدته أو حجة لمذهبه، و بنى عليها المفسر آراءه التفسيرية تبعا لهذا التنوع في القراءات، ويأتي هذا العمل العلمي ليسلط الضوء على قضية التشديد والتخفيف في القراءات القرآنية ومدى تأثيرها على المعاني في الآية الكريمة الواحدة، إذ كل قراءة بمثابة آية، وللتشديد وظيفة معنوية، فالزيادة في المبنى قد تـصحبها زيـادة فـي المعنى، ما لم تكن الزيادة لغرض لفظي، فمن الوظائف المعنوية التي يؤديها التـشديد التعدية، والتكثير، والمبالغة، والتوكيد، والمداومة، والتكرير، وقد أشار سيبويه إلى جانب من ذلك في كتابه.
وبالجملة فإني أردت أن ينصب جهدي على ظاهرة التخفيف والتشديد في القراءات القرآنية المتواترة، وما تحمله من اختلافات دلالية وصوتية في الآية الكريمة وأن لهذه الظاهرة دورا مركزيا في فهم الآية وتفسيرها.