فكر القدامى والمحدثون في الطرق المثلى التي يستطيعون بها اقتحام النصوص الأدبية، فقد أجمعوا على ضرورة امتلاك قارئ النص للملكة الذاتية والحس النقدي بالإضافة إلى مجموعة الأدوات المكتسبة التي لا يستطيع بدونها اقتحام النص ولا مواجهته. وإن كان النص الأول المبدَع يستطيع بسهولة أن يعبر عن أمور مجردة أو حسية فهذا لأن المجال فيه أوسع، ولذا فإن النص الثاني النقدي يكون أكثر صعوبة لأنه يدور على النص الأول، أي أن الكلام يدور على نفسه وفق رؤية التوحيد وتعبيره.
النص النقدي نص يوازي النص المبدَع وربما يتفوق عليه مع أنه منبثق منه ومعتمد عليه ومع ذلك فقد يتجاوزه ليكون نصا مستقلا، فالنص الأول وإن كان متقدما وجودا لكن ليس بالضرورة أن يكون متقدما جودة وشاعرية وفنية أدبية.
وفي هذا البحث الذي نقدمه نؤكد أهمية النص وحاجته للقراءة النقدية التي من شأنها أن تفصح عن مكنوناته وما ينطوي بين سطوره وإلا فإنه سيبقى صندوقا مغلقا وجسدا هامدا، وقد كان النموذج المختار من شعر أبي تمام الذي يمثل بشعره نموذجا للصنعة، حيث كان يذهب بها إلى درجة الاستغلاق ويختار من الألفاظ ما يملأ الأسماع ويأتي للأشياء من بعيد ويطلبها بكلفة ويأخذها بقوة.