إن التوصّل إلى معرفة زراعة وتدجين الحبوب البرية يُعد من أهم الإنجازات التي حققها الإنسان خلال العصر الحجري الحديث، ولا شك أن أهمية هذا الإنجاز تكمن في ارتباطه المباشر بكل ما يتعلّق بحياة البشر من صحة واستقرار وارتفاع للكثافة السكانية. وأمام تعدّد أنواع الحبوب، وصعوبة طرح تاريخ محدد لبداية العصر الحجري الحديث في عموم الأرض، فإن نطاق هذا البحث سوف ينحصر في منطقة الشرق الأدنى القديم، وعليه تكون الألف العاشرة قبل الميلاد هي فاتحة هذا العصر في هذه المنطقة تحديداً حسب ترجيح علماء الآثار، أما نوع الحبوب المستهدف بالدراسة فهو النوع الذي عُرف ومازال فيها والمتمثّل في القمح والشعير. لقد كان لتضاريس المنطقة ومُناخها دور مهم في دفع سكانها إلى الاستقرار الذي تزامن مع معرفتهم لزراعة وتدجين الحبوب. ويهدف هذا البحث إلى التركيز على زراعة وتدجين الحبوب البرية للوقوف على الخطوات الأولى للإنسان نحو الاستقرار باستخدام المنهج السردي التاريخي والوصفي؛ حيث سيتم تتبّع إسهامات المزارعين الأوائل في الاهتداء لمعرفة زراعة الحبوب واختراع وتطوير الأدوات المستخدمة في ذلك، وكذا إفادتهم من المخزون الذهني للملاحظات المتكررة في وضع أسس تدجينها. ومن أهم النتائج التي تمخّض عنها البحث هي أن التوصل إلى معرفة زراعة وتدجين الحبوب البرية يُعد من أهم إنجازات الإنسان في العصر الحجري الحديث، وأن الحضارة البشرية تدين لمنطقة الشرق الأدنى القديم بهذه الإنجازات غير المسبوقة، والتي ترتّب عليها نتائج بعيدة المدى؛ دينياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وفنياً.