قراءة في تحولات حقيقة نيتشه

يُعد مفهوم الحقيقة من المفاهيم الكثيرة الطرح في الفلسفة، غير أن أيًا من تناولها لم يرق لنيتشه كما لم يجد في أيٍ منها ملامسة لما يجب أن تُتَناول به الحقيقة على النحو المطلوب، بل نظر إليها جميعًا على أنها محاولات بُنيت على خداع قديم اشتركت فيه فلسفات ميتافيزيقية وتفسيرات دينية ورؤى علمية، تتناول الحقيقة من حيث العرض مهملة الجوهر تاركًة الحقيقة في ذاتها، فكانت النتيجة الخلاف والاختلاف فيها باختلاف الزوايا التي جرى النظر من خلالها، فصارت الحقيقة مفهومًا متعلقًا بموضوع "أنطولوجي" محض بحيث يصير الموضوع قيد البحث يوصف بالحقيقة أو البحث عن حقائق نضفيها على شيء ليكون حقيقي!، وعليه صارت الحقيقة كما لو كانت شيئًا متعاليًا منفصلًا عن عالم الإنسان ذاته وهذا ما يرفضه نيتشه رفضًا قاطعًا، بل يذهب إلى عكسه من خلال الرجوع بها للأرض من تعاليها ويسلمها للإنسان نفسه، لجميع البشر بحيث لم تُعد حكرًا على أيديولوجيا أو معتقد ديني معين بما يكفل خلاصها من سطوة الفكر اللاهوتي، ولا صدق كلي لها إلا ذاك الذي يضفيه الإنسان انطلاقًا من بداهته بحيث يحصل التوافق بينه وبين ماهيته، وبما يضمن انفتاح "انكشاف" الحقيقة على كل الوجود، ومهما كانت صعوبة هذه المهمة فإن ذلك يهون عندما نتذكر في كل مرة أن ما الفلسفة غير السؤال عن الحقيقة، وفي نظر نيتشه حتى تنجز المهمة لابد لنا في هذا الطريق من أحكام قبضتنا على المطرقة لهدم كل "الأصنام" أو "القيم" الموروثة التي حجبت عنا الحقيقة وعملت على ترسيخ الزيف والوهم الذي ران على قلب الفكر الإنساني وطال به الأمد على ذلك "الموت"، وأنه آن الأوان للإنسان أن يحيا حياة الإرادة التي هي في مداها الأبعد ارادة للقوة، إنها معركة الإنسان مع ذاته التي تكون نتيجتها قيمًا جديدة تسلب العدمية ولا تبقي مكانًا للسلبية، ولينهدم فيها كل ما يضاد الحقيقة لتنكشف بعد ذلك الحقيقة ذاتها المرجوة، وتجرى بعد ذلك عملية تصحيح واسعة على نحو تشريحي يسقط على جانبيها كل الأوهام، والأخطاء، والكذب، والتزوير الذي جرى على الحقيقة منذ عهد سقراط حتى هيجل.

تاريخ النشر
2022-09-25
تاريخ الاستلام
2022-06-15
المؤلفون
خالد أحمد السباعي
(قسم الفلسفة- كلية الآداب- جامعة مصراتة)
الكلمات المفتاحية
الحقيقة – الميتافيزيقيا – الدين – العلم – الوهم.