تثار كثيرا قضايا تتعلق بتفاعل النقد الأدبي العربي مع الوافد الأجنبي، ويتناول هذا البحث تلقي مقولات أرسطو في تراثنا الفلسفي، فيرصد تفاعل الفلاسفة المسلمين مع هذا الوافد، ولكي يحصر موضوع البحث، تم التركيز على مصطلحي: التراجيديا والكوميديا، حيث يتم تتبع هذين المصطلحين في كتاب أرسطو فن الشعر، كما هو مترجم اليوم عن اليونانية مباشرة، وبين تفاعل الفلاسفة المسلمين مع الترجمة العربية آنذاك للكتاب، وقد تبين ابتداء أن هناك خللا في فهم الكتاب عند المترجم، مما نجم عنه تلقيا مغلوطا لمقولات أرسطو، نحن إذن بين ترجمتين: الأولى/ قديمة، قام بها متى بن يونس القُنّائي (328 هـ)، وهي التي تفاعل من خلالها الفلاسفة المسلمون مع الوافد اليوناني. والثانية/ ترجمات حديثة للكتاب، واستلزم بداية التذكير بالتباين في المصطلح والمفهوم بين وضع المصطلحين: التراجيديا والكوميديا، في الإطار المرجعي اليوناني، وبين تحوّل مفهومهما في دائرة الاستقبال في الحاضن الفلسفي العربي، وجرى التعرف على تفاعل الفلاسفة المسلمين مع المصطلحين، وهو تفاعل يوضح العلاقة بين الفلسفة والنقد من جهة، والنقد العربي والنقد اليوناني من جهة أخرى، وتم رصد ذلك عند الفارابي وابن سينا وابن رشد، ووقع الاختيار عليهم، لأنهم كانوا الأوضح في مقاربتهم للمصطلحين، وتناولهم الشعر العربي بناء على فهمهم لمقولات أرسطو عبر الوسيط، وهو ترجمة متى بن يونس للكتاب عن السريانية، وبتتبع وتدقيق نقف على الجهد الذي بذله الفلاسفة المسلمون، للوقوف على قوانين صناعة الشعر العربي، استئناسا بمقولات أرسطو، وتبقى الإشكالية الأبرز التي يعالجها البحث متعلقة بتباين المفهوم للمصطلحين "التراجيديا والكوميديا إجناسيا" مع الشعرية العربية، ومع ذلك هناك فهم لهما أُنتج عربيا، بل وتطبيق على نصوص شعرية، واليوم صار بإمكاننا إعادة مَوْضعة المصطلحين ضمن سياقهما النقدي الصحيح.