يعدّ وجود المختصرات داخل المذهب الفقهي أمراً دعا إليه طول المؤلفات والمدونات الأولى التي انبنى عليها كل مذهب، مما دعا المتأخرين إلى اختصارها، وتنظيم الأبواب الفقهية فيها.
وبغض النظر عن إيجابية تلك المختصرات، أو سلبيتها، فقد أصبحت واقعاً مُعاشاً داخل كل مذهب، وأمست مدار الرحى التي تدور عليها الفتوى.
ولم يشذ المذهب المالكي عن ذلك، فنجد في طليعة المختصرات (مختصر خليل) فهو أشهر المختصرات داخل المذهب.
ولمكانة مختصر خليل الفقهية فقد توالى الفقهاء والشيوخ في شرحه، ووضع الحواشي على تلك الشروح، وكان من عادة من يقوم بشرح المختصر أن يشرحه شرحاً كبيراً، ثم متوسطاً، ثم صغيراً.
ومن أولئك العلماء الذين قاموا بشرح المختصر: الشيخ الدردير، حيث قام بشرحه شرحاً كبيراً؛ إلاّ أنه لما أراد أن يشرحه شرحاً صغيراً قام بإنشاء مختصر خاص به، حذا به حذو المختصر الأصلي، والسبب في ذلك كما بينه هو بقوله: "مبدلا غير المعتمد منه به، مع تقييد ما أطلقه وضده؛ للتسهيل"( ).
ولا شك أن كتاباً يهتم بمختصر خليل، ويبين ما فيه من مواضع القوة والضعف، لجدير بالاهتمام وبالدراسة، لا سميا إذا كان صادراً ممن هو أهل له.
ولا شك في أنّ البحث في المسائل التي خالف فيها الشيخ الدردير أصله بالتصحيح أو بالتقييد ستكون ذات قيمة علمية كبيرة؛ لأنّها بمثابة النقد الذاتي داخل المذهب، وأنّ الاعتداد بالصحة وعدمها لما قوي بالدليل أو بالنقل.