لقد اهتم الفلاسفة منذ أقدم العصور بكشف أسرار الوجود، وكان للنفس قسط وافر من عنايتهم، محاولين فهم ماهيتها، وإيضاح علاقتها بالبدن وتحليل قواها، ومعرفة مصيرها, فكانت لهم كتابات متعددة وآراء متباينة ومتفقة أحيانا أخرى، وخلال عملية الترجمة انتقل معظمها إلى العرب والمسلمين، فوجدوا فيها غذاء لعقولهم وشاحذا لقرائحهم فانكبوا على دراستها في مسألة النفس وكل ما يتعلق بها, فكان ابن سينا هو المجلي بينهم فألف في النفس مقالات ضافية في كتبه الفلسفية كالشفاء والنجاة والإشارات والتنبيهات تثبت علو كعبه في موضوعها، فكان أكثر فلاسفة الإسلام اهتماما بأمر النفس لأنه أخذ علي نفسه دراسة الإنسان من جانبيها المادي والروحي فأوقف علي الجانب الأول علم الطب والثاني أوقف عليه دراسته للنفس عامة والإنسانية خاصة بأسلوب مفصل جمع فيه المنهج الاستنباطي العقلي والمنهج الاستقرائي التجريبي حيث دخل من خلال ذلك لحقيقة النفس ومظاهرها السلوكية فمكنه ذلك من صياغة نظريته في النفس وإن سبقه إلى ذلك الفلاسفة اليونان وغيرهم، فكانت دراستهم لها يغلب عليها التغيرات اللاهوتية والميتافيزيقية، وهذا يؤكد بان ابن سينا لم يكن ناقلا أو مقلدا لفلسفة اليونان والذين اشتهروا منهم كأفلاطون وأرسطو، وبخصوص مسالة التأثير والتأثر عند تناول الآراء الفكرية عامة والفلسفية علي وجه الخصوص مسالة طبيعية لدى الفلاسفة، كتأثير ابن سينا بتعريف النفس وبأنواعها وعلاقتها بالبدن وقواها من خلال اطلاعه على فلسفات أفلاطون وأرسطو، ولكننا نجد مسائل عدة قد خالفهم فيها، كأسبقية النفس للبدن، كما رفض تناسخ الأنفس الذي قال به أفلاطون لتعارضه مع العقيدة الإسلامية، وأكد ذلك ابن سينا عندما قرر بأن النفس روحانية لا تحتاج في وجودها لشيء غيرها، وهذا ما يؤكد تعلقها بالبدن فوصفوا النفس بأنها تسوس البدن، والبدن كالعبد المطيع بالنسبة للنفس, وفي مسألة قوى النفس أوضح ابن سينا بأنها عديدة سواء النفس النباتية أو الحيوانية أو الإنسانية فحصرها في قوى عدة كالقوة المغذية والقوة المنمية والقوة المولدة والقوة المحركة الباعثة منها والفاعلة، والقوة المدركة سواء أكانت من الداخل أو من الخارج كما بين بأن هناك القوة المسماة بالحس المشترك والمصورة لعامله ولعالمه وغيرها من قوى النفس الأخرى .