الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فعلى الرغم من أن ياء المتكلّم لا تخلو منها معظم كتب النحو، غير أني لم أجد حتى الآن دراسة مستقلة، أو تحديداً دقيقاً لمعناها – وفقا لما تيسر لي- وإنما جاءت متفرقة حتى في الكتاب الواحد، فتارة تُدرس بعضها مع الضمائر، وأخرى مع المنصوبات، وأخرى مع المجرورات، وأخرى مع المبنيات إلخ؛ لذا فإنني سأتناول هذا الموضوع بمناقشة نحوية في مطالب متتابعة، آخذا بعضها ببعض، وفضلا عن ذلك؛ فإن المشكلة (نقطة البحث) هي الغموض الذي أحاط بالموضوع، ولأنّ كلام النحاة متداخل يعوزه التنظيم؛ وعليه فهذه الدراسة ليس الغرض منها الحذف أو الزيادة، إنما الجمع والتنسيق والتيسير في عرض المادة ومناقشتها وتقديمها للقارئ، وقد اهتم هذا العمل بتتبع الأحكام النحوية التي أطلقها النحاة والقرّاء في أثناء معالجتهم لأحكام ياء المتكلم من تجويز ومنع والاختلاف بينهم ونحو ذلك. وتكمن أهمية هذه الدراسة في كونها داعمة للقواعد النحوية، إذ أن (ياء المتكلم) لا مَعنى لغوي لها إلا بعلم النحو، إذ هو الذي يبين معناها، وهو المستخرج لأغراضها، والنحو معيار ومقياسه الكلام الذي يبيّن نقصانه ورجحانه وصحيحه وسقيمه، وهو لا ينفد معدنه ولا منتهى لغايته.